هذه هي قصة شعب «الريف» وقد هب في العشرينيات من
هذا القرن، بقيادة رجل يدعى عبد الكريم، يحارب إسبانيا الطامعة في أراضيه،
وذلك بالسلاح الذي يكسبه منها في ميادين القتال، فينزل بها هزائم يشهد
المؤرخون أن أية دولة استعمارية لم تمن بمثلها قط، كما يشهدون على أنه كان
لها أكبر الأثر في تطور الأحداث في ما بعد في إسبانيا بالذات.
لقد كشفت هذه التقارير عن الإيمان الإسباني بالثروة المعدنية لجبال
الريف وعن خطة فورية من أجل التنقيب في الأراضي القبلية التابعة لبني
ورياغل. وكانت المعلومات التي استقاها عبد الكريم من هذه المصادر تثبت أن
مقاصد الإسبان أنانية تماما، وأنه ليس في نيتهم عل
ى الإطلاق السماح لأهل الريف بالانتفاع من ثرواتهم الطبيعية الخاصة، أو معاملتهم كشركاء متساوين كما كانوا يعلنون على الملأ.
وبحث عبد الكريم عن المعونة عند الألمان الذين شجعوه، إذ تبينوا الفائدة
التي يمكن أن يحصلوا عليها من كسب تأييد رجل ريفي بارز، على أن يكتب في
الصفحة. العربية التي لا يبرح يصدرها، محتجا على تقاسم مراكش من قبل فرنسا
وإسبانيا. كان عبد الكريم على استعداد إذن للتعاون مع أي إنسان يستطيع أن
يساعد أهل الريف في الحفاظ على استقلالهم وفي الانتفاع بمواردهم الطبيعية
الخاصة. لقد كان على استعداد «للعشاء مع الشيطان نفسه» على حد تعبير السير
ونستون تشرشل حين رحب عام 1941 بدخول روسيا الحرب ضد هتلر.
والتقى عبد الكريم بالجنرال سيلفستر الذي كان يقوم بزيارة لمليلا. ويروى-
وهذا ما تنكره العائلة- أن الرجلين دخلا في نقاش انتهى بشجار غير لائق على
الأرض. وكائنا ما كان يصيب هذه الرواية من الصدق أو غير ذلك، فإن
الإسبانيين زجوا بعبد الكريم في السجن، وهو توقيف تقول الأسرة إن العداء
الفرنسي كان سببا له، هذا العداء الذي أثارته المناداة بآرائه الصريحة
وحماسته غير المقنعة للنجاحات التي حققها الأتراك، حلفاء الألمان وأعداء
فرنسا بنتيجة ذلك.
إن جزائريا بارزا هاجر إلى مراكش قد جعل من نفسه، على النقيض من عبد
الكريم، أداة ألمانية. إن هذا الرجل، عبد المالك، قد كان حفيدا لعبد
القادر الشهير الذي قاتل بشجاعة ضد الفرنسيين في الجزائر في القرن السابق.
ولقد جاء عبد المالك، الذي ولد في سورية أثناء إقامة جده في المنفى، إلى
مراكش عام 1902 حيث دعم الروغي، وقد تخلص من قضيته الخاسرة بمحاولة
اغتياله فيما بعد. ولقد جعله هذا السلوك عزيزا في عيني السلطان عبد
العزيز، لكنه سرعان ما تخلى عن قضية هذا السلطان أيضا حين أصبح مولاي حفيظ
سلطانا. ولقد عين عبد المالك، مكافأة له على إخلاصه للنظام الجديد، رئيسا
لشرطة السلطان في طنجة. وفي عام 1914 أصبح عميلا ألمانيا. لكنه حين ارتاب
بأن أحاديثه الهاتفية السرية مع القائم بالأعمال الألماني قد سجلت، هرب
إلى جبال الريف. يرافقه عميل ألماني يدعى فار يحمل كيسا مليئا بالذهب.
ولقد تعاون مالك وفار على إثارة قبائل الريف الجنوبي، ومن بعد أعلن مالك
حربا مقدسة ضد الفرنسيين وهاجم مواقعهم. كذلك أعلن السلطان، بتحريض من
المقيم العام ليوتيي، حربا مقدسة ضد الألمان وهكذا تمزقت القبائل بين
إخلاصين: وأثبت الذهب الفرنسي أنه أشد إقناعا من الذهب الألماني، فترنحت
قوى مالك، وانحلت إلى عصابات من اللصوص. وتبخرت سلطته، واضطر إلى الفرار
إلى المنطقة الإسبانية التي حاول الفرنسيون عبثا إخراجه منها. ولسوف نسمع
من أخبار عبد المالك مرة أخرى فيما بعد.
ولقد أثرى ريسولي هو الآخر من الرغبة الألمانية في كسب تعاونه ضد
الفرنسيين، وكان يتناول الرشاوى دونما تمييز من الألمان والإسبانيين ولا
يفعل شيئا لقاء ذلك.
وكان الإسبانيون معنيين بعد بكسب ولائه لقضيتهم. ولقد أرسل الجنرال
مارينا، عام 1914، إليه رسالة يعرض عليه شروطا مناسبة من أجل تعاونه، بيد
أن حامل هذه الرسالة الذي كان من السكان المحليين، والذي أعطي جواز مرور
من الإسبانيين، لم يبلغ الرذيلة. وادعى ريسولي بشدة أنه قتل في الطريق
بتحريض من الجنرال سيلفيستر، لكن سيلفيستر نفى هذه التهمة بأن نفذ حكم
الإعدام في أحد مساعدي ريسولي، زاعما أن هذا الرجل هو الذي اغتال رسول
الجنرال مارينا.