الربط بين حساب النفس وحساب الله
عن النبي (ص) في الربط بين حساب الإنسان لنفسه وحساب الله تعالى له: ((
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)): لأنك سوف تقدم غدا على الحساب بين يدي
الله سبحانه وتعالى! وحسابه أدق الحساب؛ لأن الإنسان يواجه فيه (الكتاب)
الذي هو صحيفة أعماله، وقد قال تعالى: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين
مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا)(الكهف/49).
وقال تعالى: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)(الاسراء/14).هذا أولا.
وثانيا، من خلال مسألة شهادة الأعضاء عليه في ما مارسه من إحساساتها، حيث
يشهد على الإنسان سمعه، وبصره، وكل جلده. قال تعالى: (وقالوا لجلودهم لم
شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه
ترجعون* وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم
ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون)(فصلت/21-22).
وقوله تعالى: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون)(يس/65).
وهكذا نقرأ بالنسبة للشاهدين اللذين يكتبان أعمال الإنسان: (عن اليمين وعن
الشمال قعيد* ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)(ق/17-18).
وحساب نفسك في الدنيا هو الذي يهون عليك حسابها في الآخرة؛ لأنك تدرك جيدا
كل عناصر أوضاعك السلبية أو الإيجابية، مما تتحمله من مسؤوليات وتؤكده من
مواقف بين يدي الله.
((وزنوها قبل أن توزنوا))؛ يعني حضر حساباتك، لأنه في يوم القيامة لا توجد
محاماة، ولا شفعاء، كما يحدث في الدنيا، ومسألة الشفاعة، بيد الله سبحانه
وتعالى: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له
قولا)(طه/109).
(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)(الانبياء/28).
فليست المسألة بالطريقة التي نتصور فيها أن الشفاعة في الآخرة كالشفاعة في
الدنيا، تتطلق من خلال حسابات خاصة، أو ما أشبه ذلك فحاول أيها الإنسان أن
تدخل نفسك في ميزان عملك، لتعرف ما هو حجمك في حساب الأعمال؛ لأن قيمة
الإنسان إنما هي بمقدار قيمة العمل، وحجمه عند الله سبحانه وتعالى، بمقدار
حجم عمله.
الميزان المعنوي:
ولذلك عليك دائما أن تزن نفسك، في حساب الإيمان، وفي حساب القيمة، وفي
حساب العمل، وما إلى ذلك. وكل ذلك لان هناك ميزانا يوزن به الإنسان، وهو
ليس ميزانا، بل هو ميزان معنوي، ((وتجهزوا للعرض الأكبر)) على الله سبحانه
وتعالى، قال تعالى: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله)، لا بد
لك عندما تعرض على الله سبحانه وتعالى أن تستعد لذلك كله.
ونقرأ للإمام على (ع) قوله: ((ما أحق الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله
شاغل))؛ بحيث يفرغ نفسه بكله، وذلك بأن يعيش لها بعيدا عن كل الطوارئ
والعوارض والحالات التي تحيط به. ماذا يصنع في هذه الساعة؟ ((يحاسب فيها
نفسه، فينظر في ما اكتسب لها وعليها))، يعني في ما حصل من أرباح،
وفي ما انتهى إليه من خسائر في ليلها ونهارها.
وقد روي عن رسول الله (ص)، أنه قال: (لا يكون الرجل من المتقين)؛ والتقوى
هي الدرجة الرفيعة التي جعل الله الجنة جزاء وثواب من يصل إليها، كما في
قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت
للمتقين)، فمن هم المتقون؟ أو ما هي ملاحمحهم وصفاتهم؟ ((لا يكون الرجل من
المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه))؛ يعني كيف يتحاسب
الشريكان، عندما يريد كل منهما أن يعرف حصته وأرباحه، سواء، في داخل
الشريكة، أو عندما يراد إنهاء الشركة، فيحاسبان بعضهما بعضا بأدق الحساب.
كذلك الإنسان، بل بد له من أن يحاسب نفسه، في مسؤولياته التي حمله الله
تعالى إياها، في كل ما أمره الله به، وفي كل ما نهاه عنه، فلا بد من أن
يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه؛ لأن التقوى تفرض ذلك؛ فالتقوى هي
تعبير عن مراقبة الإنسان لنفسه، في موقفه من ربه، والذي يرى أن الله هو
رقيب عليه، وأنه يتابع كل أعماله، وكل أقواله، وكل مواقفه، وكل علاقته،
لأن لكل واحد من هذه حسابا، فلا بد أن يكون دقيقا في ذلك. ثم يتابع الرسول
(ص) كلامه، فيبين بعض المفردات التي ينبغي للإنسان أن يحاسب فيها نفسه،
فيقول: ((فيعلم من أين مطعمه، ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه، أمن حل ذلك
أم من حرام؟)).