mc ano مراقب
عدد المشاركات : 491 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: لطائف من سورة آل عمران الثلاثاء يوليو 14, 2009 10:03 am | |
| لطائف من سورة آل عمران ـــــــــــــــــــــــــــــ
| غلاف مجلة التوحيد العدد 87 | الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد فما يزال حديثنا متصلاً حول قصة عيسى عليه السلام، وما صاحبها من آيات ومعجزات، وسنتكلم في هذا العدد بإذن الله تعالى حول الآيتين الخمسين والواحدة والخمسين من سورة آل عمران قال الله تعالى «وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» آل عمران ، ، قوله تعالى «وَمُصَدِّقًا» معطوفة على ما سبق «أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ» أي حال معطوفة على قوله «بآية» يعني أنها منصوبة على الحال ومعناها وجئتكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة أي مقررًا لها ومثبتًا والمصدق المخبر بصدق غيره، وأدخلت اللام في «لما» على المفعول للتقوية والدلالة على تصديق مثبت محقق، أي مصدقًا تصديقًا لا يشوبه شك ولا نسبة إلى الخطأ، وجعل التصديق متعديًا إلى التوراة توطئة لقوله «وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» «وما بين يدي» أي ما تقدم قبلي، لأن المتقدم السابق يمشي بين يدي الجائي فهو هنا تمثيل لحالة السبق، وإن كان بينه وبين نزول التوراة أزمنة طويلة، قدرها صاحب «فتح البيان» بألف سنة وتسعمائة سنة وخمس وسبعين سنة، لأنها لما اتصل العمل بها إلى مجيئه، فكأنها لم تسبقه بزمن طويل، ويطلق ما بين اليدين على ما سيق، فما بين اليدين يطلق على ما مضى، ويطلق على ما يستقبل، وكذلك يستعمل بين يدي كذا في معنى المشاهد الحاضر كما في قوله تعالى «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ»، وقيل المستقبل هو ما بين الأيدي والماضي هو الخلف وقيل عكس ذلك، وهما استعمالان مبنيان على اختلاف الاعتبار في تمثيل ما بين الأيدي والخلف، لأن ما بين أيدي المرء هو أمامه، فهو يستقبله ويشاهده ويسعى للوصول إليه، وما خلفه هو ما وراء ظهره، فهو قد تخلف عنه وانقطع ولا يشاهده، وقد تجاوزه ولا يتصل به بعد وقيل أمور الدنيا وأمور الآخرة، وهو فرع من الماضي والمستقبل هذه هي إطلاقات ما بين اليدين والخلف، والذي يعنينا هنا في هذه الآية قول عيسى عليه السلام «وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ»، وهو ما سبقه، وتقدم قبله من أحكام التوراة وقوله «من التوراة» هي الكتاب الذي أنزله الله على موسى عليه الصلاة والسلام، وهي أصل الكتب المنزلة على بني إسرائيل وأعظمها، بل هي أعظم الكتب فيما نعلم بعد القرآن وقوله «وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» أي وجئتكم أيضًا لأحل لكم بعض الذي حُرم عليكم، وقال «بعض» ولم يقل «كل» والمحرم عليهم ذكره الله في قوله «وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ» الأنعام وقال تعالى «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ» النساء ، فلما حرمت عليهم هذه الطيبات لظلمهم وعدوانهم وبعث الله عيسى عليه السلام أَحَلَّ لهم بعض ما حرم عليهم، ولم يُذكر في القرآن بيان هذا البعض فيكون باقيًا على إطلاقه، ولو كان لنا مصلحة في تعيين ذلك لبينه الله وهناك أقوال نقلها أهل التفسير تبين هذا البعض قال ابن كثير رحمه الله فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين، ومن العلماء من قال لم ينسخ منها شيئًا، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ، وانكشف لهم عن الغطاء في ذلك قال القاسمي من البعض الذي أحله عيسى عليه السلام لهم فعل الخير في السُّبُوت، وقد كانوا يعتقدون تحريم مطلق عمل يوم السبت قال قتادة كان قد حرم عليهم موسى الإبل والثروب جمع ثرب وهو الشحم الرقيق الذي يغشي الكرش والأمعاء والمصارين من الذبائح والأنعام ، وأشياء من الطير فأحلها عيسى عليه السلام وقال الربيع وأشياء من السمك وما لا مخلب له من الطير، وكان في التوراة محرمات تركها شرع عيسى على حالها وقوله «بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» الفعل هنا مبني لِمَا لَمْ يسم فاعله للمجهول، ولكن فاعله معلوم وهو الله عز وجل كما قال الله تعالى «وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ» الأنعام «وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» كرر هذا مرة أخرى بعد قوله «إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ» آل عمران ، فإما أن تقتصر على تصديقه لما بين يديه من التوراة وعلى إحلاله بعض الذي حرم عليهم وحينئذ لا يكون في الآية تكرار، وإما أن يقال إن قوله «وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ»، يشمل كل ما جاء به من الآيات، ويكون هذا من باب التأكيد وإقامة الحجة عليهم، فكرر مجيئه بالآيات احتجاجًا عليهم لما كذبوا قال «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ» «اتَّقُوا اللَّهَ» يعني اتخذوا وقاية من عذابه، لأن التقوى مأخوذة من الوقاية، فبماذا تكون الوقاية من عذابه؟ تكون بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وهذا هو المعنى الشامل للتقوى عند الإطلاق وإذا قرنت التقوى بالبِّر صار المراد بها اجتناب المحارم، مثل قوله تعالى «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى» المائدة ، وقد عرف أهل العلم التقوى بعدة تعريفات، لكن يجمعها ما ذكرناه من أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه قال «وَأَطِيعُونِ» أي وأطيعوني فيما أمرتكم به وفيما نهيتكم عنه، وطاعته من التقوى بلا شك لكن نص عليها لأنها تقوى خاصة فيما جاء به عيسى، لأن التقوى يؤمر بها كل إنسان، فإذا قيل «أطيعون» صارت تقوى خاصة في طاعة هذا الرسول الذي بعث إلى قومه، والطاعة قال العلماء في تفسيرها إنها موافقة الأمر تجنبًا للنهي وفعلاً للمأمور، فمن تجنب النهي ناويًا بذلك امتثال الأمر فهو مطيع، ومن فعل الأمر ناويًا بذلك امتثال الأمر أيضًا فهو مطيع، أما من ترك النهي أو بعبارة أصح المنهي عنه عجزًا عنه فإن هذا ليس بمطيع، بل إذا سعى في أسبابه حتى عجز كان كمن فعله ؛ لقول النبي «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال «لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه» رواه البخاري ومسلم ثم قال «إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ» لما أمرهم بقتوى الله ذكر ما هو كالسبب في ذلك، فقال «إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ»، والربُّ هو الخالق المالك المتصرف، وتوحيد الله بالربوبية أن نؤمن بأنه لا خالق ولا مالك ولا مدبر إلا الله سبحانه وتعالى، وما يضاف من الخلق أو الملك أو التدبير لغير الله فإنه على وجه ناقص من حيث الشمول ومن حيث التصرف فمثلاً الخلق يضاف إلى غير الله، وقد مرَّ علينا قريبًا أن عيسى قال «أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ» آل عمران ، وقال تعالى «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» المؤمنون ، وقال الله في الحديث القدسي «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي» رواه البخاري وقال النبي «أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» رواه البخاري ومسلم وقال عليه الصلاة والسلام «يقال لهم أحيوا ما خلقتم» رواه البخاري ومسلم، ولكن الخلق المضاف إلى غير الله عز وجل ناقص ليس إيجادًا حقيقة ولكنه تغيير لصورة، فمثلاً الإنسان يخلق من الخشب بابًا، هل هو خلق الخشب؟ ومن الحديد سيارة هل خلق الحديد؟ كلا، ولكن حوَّله من حال إلى حال فصار هذا خلقه، لكنه ليس هو الذي أوجد الحديد أو الخشب حتى يقال إن خلقه كخلق الله أيضًا خلق الإنسان أو البشر عمومًا ليس عامًا شاملاً، لأن كل إنسان يخلق ما صنع فقط، وما لم يصنعه فليس من خلقه المهم أن الربوبية هي انفراد الله بالخلق والملك والتدبير، ولا يعني ذلك أن لا أحد يشاركه في خلقٍ أو ملك أو تدبير، لكن على وجه لا يماثل ما يثبت للخالق من ذلك، فالإنسان قد يخلق فيقال خالق، ويقال مالك، ويقال مدبر، لكنه كما سبق ناقص ليس إيجادًا حقيقة ولكنه تغيير للصورة كما ذكرنا آنفًا قوله «ربي وربكم» بدأ بنفسه ليكون أول مذعن لهذا الربِّ عز وجل، لأن الربَّ خالق مالك مدبر، فبدأ بنفسه ليكون هو أول من يذعن وينقاد لهذا الرب قوله «فَاعْبُدُوه» الفاء هنا عاطفة وتفيد السببية أيضًا أي بسبب كونه ربي وربكم اعبدوه، ولهذا نقول إن الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الألوهية، وأن من أقر بتوحيد الربوبية وأنكر توحيد الألوهية فقد تناقض، ولذلك سفَّه الله المشركين الذين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ثم ينكرون توحيد الألوهية فيقول «أَنَّى تُصْرَفُونَ» يونس ، «أَنَّى يُصْرَفُونَ» غافر ، «أَنَّى يُؤْفَكُونَ» المائدة وما أشبه ذلك مما يدل على أنه من السفه أن يقر الإنسان بأن الله وحده هو الخالق المالك المدبر ثم يعبد غيره «فاعبدوه»، وما هي العبادة؟ العبادة مأخوذة من الذل، عَبَدَ بمعنى ذَلَّ، ومنه قولهم طريق معبد ؛ أي مذلل لسالكيه، فأصلها الذل لكنها بالنسبة لله عز وجل ذلٌّ مقرون بمحبة وتعظيم، فكل من تعبد لله فإن تعبده هذا مقرون بهذين الأمرين المحبة والتعظيم، فبالمحبة يكون الطلب، وبالتعظيم يكون الهرب، فالإنسان إذا أحب شيئًا طلبه، وإذا عظَّم شيئًا هابه وخاف منه، ولهذا كانت العبادة مبنية على الرجاء والخوف والعبادة تطلق أحيانًا على هذا المعنى الذي ذكرنا باعتبارها مصدرًا وهو أي التذلل لله مع المحبة والتعظيم، وتطلق أحيانًا على اسم المفعول أو على الشيء المتعبد به، وحينئذ نقول إنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فالصلاة عبادة، والزكاة عبادة، الصوم عبادة والحج عبادة، وبر الوالدين عبادة، وصلة الأرحام عبادة، وهكذا فأحيانًا تطلق على الفعل، وأحيانًا على المفعول قال «فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» هذا المشار إليه إما أقرب مذكور أو كل ما سبق في قوله «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ»، هذا أي تقوى الله وطاعة رسوله وتحقيق العبادة له
| |
|