بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنعم علينا بتجويد كتابه ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ، وبعد :
فقد اشتهر عند كثير من المصنفين الفضلاء من السادة القراء أنَ المشدَّد من حروف القلقلة هو أقوى مراتب القلقة من حيث الحركات .
وبعد التأمل والمشاركة تبين أن تلك الحروف المشددة هي أضعف مراتب القلقلة كما سيأتي _ إن أذن الله _ ، ولكن قبل ذلك ينبغي التنبيه على :
1- أنَّ حديثنا هنا إنما هو عن هذه الجزئية الصغيرة _ أعني كون الحروف المشددة هي أضعف مراتب القلقة وبغضِّ النظر عما جرى من كلام حول القلقلة من جهات أخرى ، كمراتبها من حيث الحروف ذاتها ، وتحريرِ ما تميل إليه القلقة من الحركات والسكون ، ونحوِ ذلك .
2- وأنَّ مثل هذه المسائل لا يترتب عليها تطبيقات عملية ، وإنما هي مسائل نظرية ؛ فالكل يتفق على كيفية النظق ، ولكن الخلاف في وصفه الذي نود تحري الدقة فيه .
وأما عن مسألتنا ، فلابد من تحرير محل النزاع قبل الشروع في الإقناع ، وذلك بقول : إن الكلَّ يتفقُّ على أن القلقة كائنةٌ في الحروف المشددة حال الوقف عليها كما في كلمة : ((الحقّ)) ، وإنما حصل النزاع في وصف هذه القلقلة من حيث قوتها .
فقال جمعٌ من المصنفين المعاصرين : إنها أقوى مراتب القلقلة ، ثم تليها الحروف الساكنة غير المشددة حال الوقف ، كـ (( خلاقْ )) ، ثم تليها الحروف الساكنة الموصولة ، : (( خلقْنا )) ، ثم تليها الحروف المتحركة _ على رأي من اعتبر القلقلة في المتحرك _ [1].
ولكن بعد التأمل والمراجعة نجد أنها على خلاف ذلك ، بل هي أضعف مراتب القلقلة على الاطلاق ؛ وذلك أن القلقلة _ ويقال اللقلقة _ هي في أصل اللغة : من الاضطراب والسرعة والانزعاج [2].
ويقول علم الدين السخاوي _ رحمه الله _ تحت قول الشاطبي :
وأعرفهن القاف كلٌّ يعدها ** فهذا مع التوفيق كاف محصلا
: " قالوا : أصل القلقلة للقاف ؛ لأن ما تحس به من شدة الصوت المتصعد من الصدر مع الضغط والحفر فيه أكثر من غيره " [3].
فالمحصول أنه كلما زاد اضطراب الحرف وزادت سرعته كلما كان أشد قلقلة ، كما مر معنا .
فإذا نظرنا إلى الحروف الساكنة غير المشددة من حروف القلقلة كـ (( خلقنا )) لوجدنا أن الاضطراب والسرعة فيها أشد من الحرف المشدد .
وذلك أن المشدد هو في الحقيقة مكون من حرفين أولهما ساكن والآخر متحرك ، وعند حال النطق بالحرف الأول مع كون الأخر مماثل له اسما تجد اللسان يثقل عند الارتداد ويكون مكثه واحتباسه أكثر من غيره ، فيصبح ارتداده ضعيفا جدا .
فمع هذا كيف يسوغ لنا أن نقول : إن الحروف المشددة هي أقوى مراتب القلقلة ؟!!
إن صفة القلقلة في الحقيقة هي من أهم الصفات التي تحتاج من البحَّاث التحرير والمراجعة ، فما تزال هناك مسائل متعلقة بهذه الصفة تحتاج منا إلى دراسة وتأمل .
هذا ما يسر الله لنا كتابته ، والحمد لله رب العالمين .